أخبار متنوعةخبراء و آراء

خبير يتحدث عن سر تماثيل الفراعنة ذات الأنوف المكسورة

أكد خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، أن العالم بدأ يناقش الأسباب المختلفة لكسر أنوف تماثيل مصر القديمة بعدما لوحظ أثناء عرض متحف “كومر” الأمريكي فبراير 2020 في فلوريدا أن هذه الظاهرة تكررت مع أكثر من 1200 قطعة أثرية تخص مصر القديمة تحت عنوان “القوة الضاربة: أيقونات في مصر القديمة” وهو عرض متحفي نظمه متحف بروكلين بالتعاون مع مؤسسة “بوليتزر” للفنون لرواد المعرض أن السمة الغالبة على القطع المصرية الأنوف المكسورة، الأمر الذي جعل الكثير من خبراء الآثار العالميين يتساءلون عن السر.

وفي تصريحات خاصة، أشار ريحان إلى أن هناك الكثير من الآراء حول أسباب ذلك، تركزت معظمها في الأسباب الدينية والسياسية والشخصية حيث ذكر آدم ليفين، مدير متحف كومر، أن هناك ملوكًا مصريين قدماء كانوا يفضلون محو آثار من سبقهم من ملوك، وقد يكون ذلك سعيًا لتدمير شخصيات غير محبوبة، مثلما حدث مع الملكة حتشبسوت، التي حكمت من 1478 إلى 1458 قبل الميلاد، وإخناتون، الذي حكم من 1353 إلى 1336 قبل الميلاد.

ولفت ريحان إلى أن حتشبسوت صعدت إلى العرش عند وفاة تحتمس الثاني وحكمت بالاشتراك مع تحتمس الثالث، ابن تحتمس الثاني من امرأة مختلفة، وبعد وفاة الملكة بذل تحتمس الثالث وابنه أمنحتب الثاني جهودًا كبيرة لإزالة اسم حتشبسوت من السجلات الرسمية وهدم تماثيلها والدليل أن أغلبها محطم أو مشوّه.

وحول أبرز الأسباب الدينية، لكسر أنوف تماثيل الفراعنة، قال ريحان: “تجلت هذه الأسباب في تماثيل إخناتون أو أمنحتب الرابع، حتى السنة الخامسة من حكمه، قبل أن يقرر التخلي عن آلهة أجداده والإيمان بإله واحد، وكان ذلك صعبًا على أتباع الإله آمون، إذ دمر إخناتون معابد آمون وقطع الموارد عن الكهنة ولم تكن الجهود التي بذلها لتعزيز التوحيد مقبولة على نطاق واسع، ولذلك بعد وفاته تم تدمير تماثيله واستُبعد اسمه من قوائم الملوك”.

ويتابع الدكتور ريحان بأن الأسباب الشخصية تتمثل في كره صاحب التمثال أو المنحوتة، فكان قدماء المصريين يؤمنون بمعتقدات كثيرة، وربما تعرضت تلك القطع للتدمير حتى لا يستطيع صاحب التمثال أن يرتقي إلى العالم الآخر الذي آمنوا به ووفقًا للمعتقد المصري القديم فلن يستطيع الجزء التالف من التمثال القيام بعمله، وهذا ينعكس على الشخص، ولذلك يقوم المخرّب بكسر الأنف، حيث تتوقف روح التمثال عن التنفس، إمعانًا في الانتقام وأن كسر الأنف يمنع صاحب التمثال من العودة إلى الحياة مرة أخرى لأنه بكسر الأنف يصعب عليه التنفس، خاصة وأن تدمير الأنف أسهم في إعادة كتابة الملوك التاريخ لصالحهم، فعلى مر القرون، غالبًا ما حدث هذا المحو وفقًا لنوع الجنس مثلًا، فقد تم محو إرث اثنتين من الملكات المصريات القويات، وهما حتشبسوت، ونفرتيتي التي ساعدت زوجها إخناتون في ثورته الدينية.

وذكر “إدوارد بليبيرج” أمين متحف بروكلين إن هذا الشكل من التشويه قد يكون من أعمال اللصوص الخطرين الذين يحاولون منع الأرواح الشريرة “لعنة الفراعنة” من السعي وراءهم للانتقام.

ولفت ريحان إلى ما قيل بأن نابليون بونابرت كسر أنف أبو الهول أثناء الحملة الفرنسية عام 1789، لكن كذّب ذلك المؤرخ تقي الدين المقريزي في القرن الخامس عشر الميلادي، ذاكرًا أن من خرب أنف “أبو الهول” شخص يدعى الشيخ محمد صائم الدهر وكان فاطميًا متعصبًا، ونفذ حملة لإزالة “المنكرات والتصاوير” وعلى رأسها تمثال أبو الهول، وظل يجهد في تحطيمه، إلى أن اكتفى بتشويه فمه وأنفه، وظل التمثال على هذه الحال إلى يومنا هذا، وعندما علم الحاكم، عام 781 هـ، بما فعله المذكور قبض عليه وقطعه وأمر بدفنه بجوار أبو الهول.

وأوضح ريحان أن بعض المؤرخين ذكر أن الرسوم التي صنعها المستكشف الدنمركي فريدريك لويس نوردين لأبي الهول في عام 1737 ونشرت في عام 1755 في كتابه “الرحلة إلى مصر والنوبة” تبين التمثال بلا أنف أي قبل الحملة الفرنسية، وهو التمثال الذي شيده الملك خفرع، رابع ملوك الأسرة الرابعة من الحجر الكلسي، ومن المرجح أنه كان في الأصل مغطى بطبقة من الجص وملونًا ويبلغ طوله نحو 73،5 م، من ضمنها 15 م طول رجليه الأماميتين، وعرضه 19.3 م، وأعلى ارتفاع له عن سطح الأرض حوالي 20 م حتى قمة الرأس، فيما يعتقد ان أنفه المكسور كان طويلًا حيث يبلغ عرضه مترًا واحدًا.

ويلقي الدكتور ريحان الضوء على علاقة لصوص المقابر قديمًا بكسر الأنوف حيث حرص قدماء المصريين من منطلق معتقد البعث والخلود على دفن موتاهم في بيئة صحراوية بعيدة عن الرطوبة، ووضع كل ما يلزم الميت معه في المقبرة ليجده حين تعود إليه الحياة وكان سارقى المقابر يعلمون ذلك وكان صعب عليهم الوصول إلى المومياوات الموجودة داخل توابيت بالطبع لذلك كانوا يقومون بكسر أنف التمثال باعتباره رمزًا للشخص صاحب المقبرة اعتقادًا أن الأنف هى سبيل التنفس ومن ثم فهى سبيل الحياة وعند كسر الأنف فالميت لا يستطيع العودة إلى الحياة مرة أخرى وبالتالى فهم آمنون من انتقامه.

ويضيف: ذكرت بعض الآراء أن كسر الأنف كان يتم من أعداء الملك ولكن هناك تماثيل لكهنة ووزراء وأشخاص عاديين مكسورى الأنف وآراء ذكرت أن أُمراء الدولة الحديثة كانوا ينطمون مسابقات رمي السهام وكانت أنف أبو الهول هي الهدف.

ويرى الدكتور ريحان أن كلمة الأنف في اللغة من الإنفة والشموخ والعظمة وأقرب شيىء لإذلال شخص ما كان ملكًا أو أميرًا أو فردًا عاديًا هو أنفه زى ما بنقول في المثل الشعبي “هجيب مناخيره الأرض” وبالتالى فالقصد من كسر الأنف هو كسر إنفة وشموخ هذا الشخص وإذلاله، ربما يكون من المصريين القدماء أنفسهم نتيجة موقف شخصى أو دينى أو سياسى، ربما تكون من أشخاص قليلى الفهم حكام أو من عامة الشعب من حضارات تالية رأت فى هذه التماثيل نوع من الوثنية ولا بد من تحطيمها ولعدم قدرته على ذلك لضخامة وكثرة هذه التماثيل فاكتفى بإذلالها بكسر الأنف كنوع من التعبير عن مكنونات فكر مغلوط.

ويرى الدكتور ريحان أن الأفكار المشوشة والمغلوطة قديمًا وحديثًا ساهمت فى تحطيم رموز حضارية ومعمارية وفنية خالد وهذا ما عانت وتعانى منه كثير من البلدان حاليًا من فكر جماعات معينة تنعكس أولى تأثيراته المدمرة على الحضارة الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى