أحزابأخبار متنوعة

بعد سحب الحكومة لمشروعات قوانين.. «فقهاء الدستور»: الهدف الصالح العام

فاجأت حكومة الدكتور مصطفى مدبولى مجلس النواب والرأى العام فى مصر صباح الأحد الماضى بقرار مثير للجدل وهو سحبها لثمانية مشروعات قوانين تقدمت بها إلى البرلمان فى بداية دور الانعقاد الحالى لمناقشتها، أبرزها قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973، ومشروع قانون بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 77 لسنة 1968 فى شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية، والمعروفة إعلاميًا بـ«استخدام راديو السيارة أو الكاسيت»، ومشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 155 لسنة 2002 بشأن تنمية الصادرات، ومشروع قانون بإصدار قانون تنظيم المحميات الطبيعية، ومشروع قانون بتعديل بعض أحكام النظافة العامة، ومشروع قانون تنمية وتطوير صناعة المركبات والصناعات المغذية لها، ومشروع قانون بتعديل قانون صيد الأسماك وتنظيم المزارع السمكية وأملاك الدولة الخاصة، من الأمور التي لا يحظرها الدستور ويعد مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981، أو ما يُعرف بقانون «الثانوية العامة» أبرز ما قامت الحكومة بسحبه من المجلس بسبب الجدل الواسع الذى واجه مشروع القانون فى أثناء مناقشته فى مجلس الشيوخ قبل أسابيع، وأعلن وقتها رفضه للقانون وأرسل به تقريرًا لمجلس النواب يطالبه فيه برفضه، ولاشك فى أن هذا الرفض أنقذ الأسرة المصرية والطلاب من مزيد من الإرهاق النفسى والمادي، وهذا يؤكد الدور الهام لغرفتى البرلمان، خاصة بعد تبنى غالبية أعضاء مجلس النواب لرأى مجلس الشيوخ والتعاون المثمر بين المجلسين وهو مادعا الكثيرين للتساؤل عن أسباب سحب القوانين والأهم من ذلك الآثار المترتبة على سحب هذه القوانين.

فى البداية الدكتور أيمن الزينى أستاذ القانون بجامعة طنطا والفقيه الدستورى قال إن سحب مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981، ترتب عليه الكثير من النتائج وجاء فى مقدمتها.    


إن شهادة الثانوية العامة لن تكون مقسمة على ثلاث سنوات، وسوف يظل الوضع الحالى، كما هو دون تغيير، بأن الصف الثالث الثانوي فقط هو الشهادة، والصفين الأول والثاني تجريبيان لا يضافان للمجموع.    
وكانت التعديلات تنص على أن «تُعقد امتحانات التقييم التى يحتسب على أساسها مجموع درجات الطلاب بمرحلة الثانوية العامة بسنواتها الثلاث، نهاية كل سنة دراسية من تلك السنوات، ويحتسب مجموع الطالب بمرحلة الثانوية العامة على أساس المجموع الحاصل عليه فى السنوات الثلاث عن جميع المرات التى أدى فيها الامتحان فى كل سنة دراسية، ويحق للطالب دخول الامتحان أكثر من مرة ليختار النتيجة التى يرغب فى أن تُحتسب له ضمن مجموعه».    


وأشار الزينى أيضاً إلى أن امتحانات الثانوية العامة ستبقى موحدة، وليس بنماذج مختلفة.    


وكانت التعديلات تنص على أنه «يجوز تقسيم الطلاب فى كل مادة إلى مجموعات متعددة، يتم إجراء الامتحان لكل منها على حدة، وذلك فى أوقات مختلفة ووفقاً لنماذج مختلفة، على أن تكون متكافئة فى درجة الصعوبة، بما يضمن قياس مستواهم التعليمى». 
وتأتى النتيجة الثالثة على سحب مشروع القانون أنه لن يطبق نظام التحسين فى الثانوية العامة سواء برسوم أو بدون. 
وكانت التعديلات تنص على أن «يكون إجراء الامتحان لأول مرة فى كل سنوات المرحلة الثانوية بدون رسوم، ويصدر قرار من وزير التربية والتعليم بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى بتحديد نسب المجموع التراكمى على السنوات الثلاث، والحد الأقصى للمجموع الذى يُحتسب للطالب عنها». 
وأضاف أستاذ القانون بجامعة طنطا أنه سوف يظل الامتحان هو الوسيلة الوحيدة للتقييم في الثانوية العامة بدون تطبيق وسائل أخرى.


وكانت التعديلات تنص على أنه «يجوز وضع أسس وطرق تقييم حديثة ومبتكرة ومستخدمة عالميًا تكون من ضمن عناصر تقييم الطلاب بجانب الامتحانات وتدخل درجاتها بنسبة تحدد ضمن عناصر المجموع المحتسب للطلاب عن كل عام دراسى على حدة، ويصدر بتنظيم ذلك كله قرار من وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم ما قبل الجامعى».
وقال الزينى إن سحب الحكومة لتعديلات القانون الخاصة بالثانوية التراكمية، لا يعني إلغاء تجربة التابلت ولا الامتحانات الإلكترونية، لأن طريقة وضع الأسئلة يحددها الوزير المختص (وزير التعليم)، ولا يحتاج في ذلك لموافقة البرلمان.


وقال الدكتور عماد الشافعى أستاذ القانون إن سحب الحكومة مشروع قانون بتعديل المادة (4) فقرة (3) من المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973 بتخريط السيارت التي تعمل بالسولار ومضى على صنعها 20 عامًا فأكثر، ومشروع قانون بإضافة فقرة ثانية للمادة (19) و فقرة ثالثة للمادة (22) إلى قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973 بشأن وضع مدى زمنى لسريان التوكيل الخاص بالمركبة يجب خلاله نقل الملكية، ومشروع قانون بإضافة بند برقم (8) للمادة (11)، ومادتين برقم (81 مكرراً 5، 81 مكرراً 6) إلى قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973 بشأن تركيب جهاز تحديد وتتبع المواقع فى مركبات الدفع الرباعي والمركبات التى يصل إليها الحركة من صندوق التروس الرئيسى والمساعد إلى جميع المحاور إضافة لتعديل بعض أحكام قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973، كان آخرها تعديلات الملصق الإلكترونى فى فبراير الماضي، كما دعم التعديل توفير الاعتمادات المالية لإنشاء وتطوير المنظومة الإلكترونية والنقل الذكي وجرت الموافقة عليه.


وأشار الشافعى إلى أن أبرز التعديلات باستحداث بند جديد يحمل رقم 8 من المادة 11، يلزم فيه ضمن شروط الترخيص، بوضع وتثبيت ملصق مرورى إلكترونى صالح للاستخدام بصورة دائمة يصرف للمركبة، يتضمن تعريفاً بها ويؤدى المرخص له رسماً لا يجاوز 75 جنيهاً سنوياً، يُلزم سداده نقداً أو بأى وسيلة إلكترونية أخرى، وأعفت من ذلك بعض مركبات وزارتى: الدفاع والإنتاج الحربى والداخلية والمركبات الأخرى التى يحددها وزير الداخلية بقرار منه تحقيقاً لمقتضيات الأمن القومي، وأناطت باللائحة التنفيذية تحديد مواصفات ومدة صلاحية ومكان تثبيت الملصق المرورى الإلكترونى ووسيلة سداد الرسوم، وألزمت التعديلات سالفة الذكر، بسحب رخصة تسيير المركبة عند عدم وضع أو تثبيت الملصق المروري الإلكترونى المنصرف للمركبة، أو إتلافه أو إخفائه، أو نقله لمركبة أخرى أو العبث به بما يفقده صلاحيته، ووضعت عقوبات للمخالف.


أما التعديلات التى تقدمت الحكومة على القانون والتي جرى سحبها، فتشمل تعديل الغرامات وحالات سحب الرخص والمخالفات وغيرها، حيث تضمنت التعديلات على القانون استبدال الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من القانون، والتي تنص على عدم جواز الترخيص بالسيارات الأجرة وسيارات نقل الركاب التي يكون قد مضي على صنعها 5 سنوات بما فيها سنة الصنع، وذلك عند الترخيص بها لأول مرة، وعدم جواز الاستمرار في الترخيص للسيارات الأجرة وسيارات نقل الركاب التي مضي على صنعها 20 سنة، على أن يصدر رئيس مجلس الوزراء قراراً بتحديد جهات التمويل وخطة الإحلال وضوابط تنفيذها، وإضافة التعديلات فقرة على المادة 19 نصها ما يلى: 
«لا يجوز نقل ملكية المركبة إلا بناء على طلب مالكها أو وكيله الخاص دون غيرهما لمرة واحدة». 


كما أضافت فقرة أخيرة على المادة 22 نصها ما يلى: «لا يجوز تجديد رخصة المركبة إلا بناء على طلب مالكها، كما يجوز تجديدها بتوكيل من مالك المركبة لمرة واحدة للأشخاص الطبيعيين، وإذا تعلق الأمر بالأشخاص الاعتباريين، جاز تجدديها بتوكيل عام يسري لمدة عام من تاريخ صدوره» وأضاف الشافعى انه من غير المنتظر عرض القانون خلال الدورة البرلمانية الحالية حيث لا يجوز للحكومة أن تعيد تقديم مشروع قانون تم سحبه في نفس دور الانعقاد. 
وأكد الدكتور ناصر عثمان أستاذ القانون بجامعة أسيوط وعضو مجلس النواب أن قيام الحكومة بسحب مشروعات قوانين سالفة الذكر أمر جيد، حيث إن مشروعات القوانين قدمت المسحوبة، قدمت دون دراسة كافية، وبالتالي فإن سحب تلك القوانين قد جاء من أجل أخضاعها للمزيد من الدراسة لكي تتوافق مع متطلبات الشعب المصري سواء حول قانون الثانوية العامة أو المرور وغيره. 


وأكد الدكتور صلاح فوزى الفقيه الدستورى وأستاذ القانون العام بجامعة المنصوره أن ظاهرة سحب الحكومة مشروعات القوانين من البرلمان بعد التقدم ليست بجديدة، وحدثت كثيراً مع مجلس الشعب السابق.
وأشار فوزوى إلى أن سحب مشروع القانون لا يعني انتصاراً للبرلمان ولا هزيمة للحكومة، وقد يتم اللجوء لتجميد القانون داخل المجلس إذا لم تستدع الحاجة إلى صدوره لعدم وجود حاجة عاجلة فى تطبيقه أو كما أن لمجلس النواب أن يرفض مشروع قانون أو يطلب إجراء تعديلات عليه قد تتطلب إلى إعادة دراسة المشروع من جديد فتطلب الحكومة سحبه.


وقال الفقيه الدستورى: هناك الكثير مشروعات القوانين التى أخذت شداً وجذباً بين الحكومة من جهة ومجلسى الشعب والشورى فى السابق منها مشروع قانون تنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية، حيث انحازت لجنة الصحة بمجلس الشعب لإصداره، وأصرت لجنة الصحة بمجلس الشورى على رفضه، ونظراً لأن هذا المشروع من القوانين المكملة للدستور التى يوجب أخذ رأى مجلس الشورى فيها أى أن رأيه وجوبى وملزم، لذا فقد تم تجميد المشروع. 
أما مشروع القانون الذى تعرض لحرية الصحافة فى الوقت السابق فقد كان مشروع قانون حفظ الوثائق القومية الذى تقدمت به الحكومة فى عهد فاروق حسنى وزير الثقافة فى ذلك الوقت، وكان المشروع يفرض عقوبة مشددة على من ينشر وثيقة مودعة في مصلحة الوثائق قبل مرور المدة المحددة للإفراج عنها وطرحها للرأى العام، وتصادف تقدم الحكومة بمشروع القانون فى وقت قريب من إصدار قانون أطلق عليه مجازاً قانون اغتيال الصحافة، وكان يفرض عقوبة الحبس الاحتياطى على الصحفى فى قضايا النشر، وعقوبات أخرى تتعلق بازدراء الحكومة، وكافح الصحفيون من خلال نقابتهم لإلغاء هذا القانون الجائر، وتم إلغاء الحبس الاحتياطي، وعدد من المواد الأخري، ولكن بعد مرور مدة قصيرة تقدمت الحكومة بمشروع قانون الوثائق القومية، وأحيل مشروع القانون من مجلس الشعب إلى مجلس الشوري، وأعلن رئيس مجلس الشورى- في هذا التوقيت- إحالة المشروع إلى لجنة الثقافة والإعلام، حيث قوبل المشروع بهجوم شديد، وقبل أن تشرع لجنة الشورى فى مناقشته أعلنت الحكومة سحبه، ولم يعد حتى الآن.
كما جمدت الحكومة- فى وقت سابق- بالاتفاق مع مجلس الشعب مشروع قانون كان يسمح لرجال الأعمال بإنشاء خطوط خاصة للسكك الحديدية.


وقالت الدكتوره دعاء الهوارى المدرس المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية إنه من الملاحظ على معظم مشروعات القوانين التي تم سحبها تمس قضايا وموضوعات ملحة للمواطن المصري، سواء بأن تجلب له مزايا أو تفرض عليه رسوماً أو ضرائب أو تنظم شأنًا من شؤون حياته فى البناء والإسكان والشهر العقارى، وهي أمور تتطلب حوار مجتمعي قد تقدم الحكومة به لمجلس النواب، وأضافت الهوارى لكي تحظي هذه المشروعات بتأييد الرأى العام وطمأنته قبل الدفع بها إلى المناقشات فى قاعات البرلمان سواء فى الشيوخ أو فى مجلس النواب.
إقناع المجتمع بمشروع القانون أفضل من أن يفاجأ به- وهي الساسية التي يجب أن تحرص عليها الحكومة-، كما أن الدراسة المتأنية لأى مشروع تكشف الآثار السلبية التي قد تترتب عليها وتضع حلولاً لها قبل إصدار القانون وتقلل من عملية سلق القوانين، كما أن الحوار خاصة بين المخاطبين بمشروع القانون يجعله ملبياً للحاجة التى يقوم بعلاجها، كما أن هناك قوانين تبدو صادمة ولكن بالحوار وتبادل الآراء حولها يتم تنقيتها مما يخيف الناس.
وطالب الدكتور حسن هيكل المحامى بالنقض الحكومة أن تتقدم بأجندة تشريعية إلى مجلس النواب على الأقل لمدة دور الانعقاد وألا تتقدم بالمشروعات قبل دراستها دراسة متأنية من خلال لجان مخصصة فى إعداد القوانين، ولا تفاجئ بها البرلمان أو الرأى العام، ومن واجب البرلمان أيضاً أن يستغل حقه الدستورى فى إعداد مشروعات القوانين التى يرى أن المجتمع فى حاجة إليها دون انتظار ما تقدمه الحكومة، وهذا لا يعنى أن يتحول الأمر إلى إفراط تشريعى يؤدى إلى حالة ارتباك، فالقوانين وضعت لاستعادة الحقوق أو ضمان أداء الواجبات. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى