السياحه العربيه

مقاصد عشاق الفن والتراث والسياحة الثقافية تحفز زوار مدينة فاس المغربية

تعيش مدينة فاس على إيقاعات خاصة تتجاوز الزمن، ساهمت في تصنيفها كرابع أفضل وجهة للسياحة الثقافية لهذا العام، مما يجعلها قبلة الكثيرين ومقصد عشاق الفن والتراث، فبفضل روائعها المعمارية الخالدة وساحاتها العامة النابضة بفنون الأجداد تجتذب الزوار من جميع الملل والنحل.
تم تصنيف مدينة فاس العاصمة العلمية كرابع أفضل وجهة للسياحة الثقافية لعام 2024 لاحتوائها على معالم تاريخية تستقطب عددا كبيرا من السياح الأجانب، حسب تقرير صادر عن موقع “تريب أدفايزر”.

ولطالما اعتبرت فاس من بين المدن دائمة التواجد في تصنيفات أفضل المدن السياحية الواجب زيارتها وفق المواقع العالمية المتخصصة في السياحة والأسفار، فهي أرض للقاء والتسامح والسلام والعلم.

وتعتبر مدينة فاس متحفا في الهواء الطلق، تعاقبت العصور والأجيال عليها وراكمت فيها كنوزا كثيرة، ومدينتها العتيقة هي الأقدم والأكبر في المغرب حيث تتجمع فيها كل الحرف التقليدية من دباغة ونسيج وفخار وخزف، كما تزخر شوارعها وأزقتها بروائع معمارية خالدة، وتنبض ساحاتها وأماكنها العامة بفنون الأجداد.

وشكلت هذه المدينة بحق أحد النماذج الحضرية الإسلامية الأكثر تميزا والأكثر حفاظا على تراثها، والمآثر التي تزخر بها والتي تعكس مختلف الحقب من تاريخها.

وتعتبر حاضرة فاس التي تأسست سنة 808 ميلادية، مدينة إمبراطورية عريقة ترمز لتاريخ عريق ومجد تليد يوثق لحضارة مغربية عريقة تمتد حوالي ثلاثة عشر قرنا، تكتنز أمجاد الدولة المغربية وقوتها.

المدينة تشكل أحد النماذج الحضرية الإسلامية الأكثر تميزا والأكثر حفاظا على تراثها

وبمجيء المرينيين، تم تمديد المدينة بإنشاء فاس الجديدة بالجنوب الغربي لفاس القديمة أو البالية، حيث بنوا مركزا إداريا وقصرا سلطانيا وفضاءات تجارية ومساكن محاطة بأسوار وحصون وغيرها من الفضاءات التي كانت تشكل سدا منيعا في وجه الغزاة.
وشهدت المدينة العلمية نموا حضاريا امتد لعدة قرون، حيث لا يزال النسيج الحضري لفاس وانتشارها الترابي يحملان بصمات زمنية ماضية، حيث شكل تأسيسها منعطفا حاسما في تاريخ المغرب وتشكيل هويته ودولته الموحدة.
ففي داخل المدينة العتيقة لفاس تنتشر المدارس العريقة والرياضات وفضاءات أخرى حولت إلى متاحف ومساجد، كما يزخر سوق الحنة بمستحضرات التجميل الطبيعية من صابون أسود وماء ورد وكحل، أما حي النجارين، فيتجمع فيه فنانو الخشب المهرة.

ويمثل الفخار الفن الأكثر رمزية في المدينة الإمبراطورية، وفيها تجد خزف فاس الأزرق الشهير، وهو خزف مزين ومطلي ببراعة بأيدي الحرفيين الذهبية التي تجعل من القطع الخزفية تذكارات جميلة وأواني عملية.

وتشكل دار الدباغة القلب النابض لمهنيي مدينة فاس العتيقة وتجارها، لكونها تشكل الحلقة الأهم في إنتاج الجلود.
ودار الدباغ شوارة معلمة تجعل السائح يقف مشدوها أمام هذه اللوحة الفنية المتكاملة، التي تشبه بأحواضها الدائرية المزركشة ألوان الطيف الذي يستعمله الرسام لإنجاز أعماله الفنية.

وشوارة هي إحدى دور الدباغة الثلاث في فاس وأكبرها على الإطلاق، بنيت في القرن الحادي عشر الميلادي، وتعتبر أقدم مدبغة للجلود النباتية في العالم، وخضعت في 2017 لعملية ترميم واسعة أعادت لها بريقها، بعد أن كانت قد أخذت منها القرون والسنون الكثير.

وتظهر في السماء عاليا مئذنة جامع القرويين، وهي من أقدم الجامعات في العالم بنتها فاطمة الفهرية، كمنارة تفتح أبواب المعرفة والعلم للجميع.

وتوجد بفاس معالم أثرية تدل على حضارتها عبر العصور الإسلامية، ومن أهم ما بقي من هذه الآثار السور وبواباته الثماني والتي تم تشييدها بطريقة التربة المدكوكة (باب محروق، باب الدكاكين، باب المكينة، باب أبي الجنود، باب الفتوح، باب البرجة، باب السمارين، باب جبالة، باب الكيسة، باب سيدي بوجيدة، باب الخوخة، باب زيات، باب السنسلة باب الحديد) بأقواسها الرائعة والنقوش والتخريم البارز فوقها والتي ترجع إلى عهد المرينيين. وقد تجدد بعضها في العصور التالية ولكنها ظلت محتفظة بطابعها.

وتجسدت العناية الملكية بالمدينة العتيقة لفاس من خلال ترميم مجموعة من المواقع والمآثر التاريخية، بما في ذلك فنادق “الشماعين”، “السبيطريين”، “الصطاويين”، و”البركة”، التي تعتبر معالم قيمة بالنسبة إلى تاريخ المغرب على العموم وتاريخ الحاضرة الإدريسية على الخصوص.
وأشرف العاهل المغربي الملك محمد السادس على تدشين قطب الصناعة التقليدية عين النقبي بفاس، من أجل إعطاء دفعة قوية لورشات إعادة هيكلة قطاع الصناعة التقليدية والحفاظ على الطابع الحضاري والعريق للعاصمة الروحية للمملكة.

ولأهمية المدينة التاريخية، عملت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، على إدراج مدينة فاس ضمن قائمة التراث العالمي سنة 1981 كأول مدينة مغربية يتم وضعها في هذه القائمة.

وقد أضحت فاس إحدى أرقى المدن الإسلامية، بإشعاعها الثقافي والعلمي، وذلك بفضل جامعة القرويين الشهيرة، ومدارسها المتعددة التي تستقبل عدد كبيرا من الطلاب والعلماء البارزين من الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام.

ولم يكن اختيار مدينة فاس عاصمة للثقافة الإسلامية عشوائيًا، فالعاصمة الروحية تعيش تحركًا ثقافيًا متميزًا على مدار السنة يتجسد في مهرجانات واحتفالات دينية وأنشطة مختلفة ومتنوعة تتلون بشتى ألوان الإبداع، من ضمنها مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، ومهرجان فاس للثقافة الصوفية، ومهرجان فنون الطبخ، والمديح والسماع، ومهرجان الملحون.

كما أن المدينة أصبحت مقصدا وفضاء لعقد عدد من التظاهرات الدولية والوطنية في هذا المجال، ومنها المؤتمر الدولي لمدن التراث العالمي سنة 1993، والمؤتمر العربي للمدن التاريخية العربية الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى