أخبار متنوعةخبراء و آراء

“حماية البيانات” لمواجهة “تسونامي” التكنولوجيا

بينما تقتحم التكنولوجيا بتطبيقاتها ومنصاتها المختلفة تفاصيل حياتنا اليومية بما يشبه “التسونامي” يؤكد خبراء أن إقرار قانون لحماية البيانات الشخصية بات أمرا ملحا لتكريس مبادئ الحفاظ على خصوصية الأفراد وأمن المعلومات وحوكمتها.


وتنبع أهمية إيجاد مثل هذا التشريع من إعطاء المواطنين حقوقا وضمانات قانونية لمتابعة طرق استخدام بياناتهم من قبل الجهات التي تجمعها، وملاحقتها قانونيا في حال استغلت هذه البيانات لأغراض أخرى غير مصرح بها، بحسب ما يؤكد الخبراء.


ويمكن تعريف البيانات الشخصية بأنها أي بيانات أو معلومات خاصة لشخص طبيعي محدد أو قابل للتحديد وتشمل البيانات الحساسة بما فيها البيانات المالية والأصول العرقية والآراء السياسية والدينية أو الانتماءات النقابية والحزبية والشخص القابل للتحديد هو الشخص الذي يمكن تحديده بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الإشارة الى رقم هويته أو الى عامل أو أكثر من العوامل المحددة لهويته البدنية والفسيولوجية والنفسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وهذا التعريف وفقا لمسودة سابقة لمشروع قانون البيانات الشخصية الذي يجري العمل باتجاه اقراره في الاردن.
وجاءت دعوات الخبراء هذه في وقت أكد فيه مصدر حكومي مطلع أخيرا أن الحكومة تسعى، خلال المرحلة المقبلة، لإقرار قانون حماية البيانات الشخصية الذي سيكون إضافة مهمة لمنظومة التشريعات الداعمة لعملية التحول الرقمي في المملكة.


وأوضح المصدر أن مشروع قانون حماية البيانات الشخصية قد تم إنجازه وصياغته بشكله النهائي من قبل الحكومة السابقة بشراكة كاملة مع جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة، وهو الآن بحوزة ديوان التشريع والرأي؛ إذ يجري العمل على دراسته ، لتمريره بعد ذلك إلى مجلس الوزراء للمضي في إجراءات إقراره الدستورية وتقديمه إلى مجلس النواب لمناقشته وإكمال الإجراءات المرعية.


ويهدف مشروع قانون حماية البيانات الشخصية، وفقا للمصدر، إلى إتاحة تدفق البيانات وفق ضوابط محددة لحماية البيانات الشخصية في إطار التطورات التكنولوجية السريعة الناتجة عن الاستخدام المطرد للأجهزة الرقمية والحواسيب وكل ما هو متصل بشبكة الإنترنت؛ حيث لم تعد البيانات الشخصية للمستخدم تقتصر على الاسم والصورة ورقم الهاتف، بل اتسعت لتشمل بيانات حيوية للمستخدمين، مثل بصمة العين والوجه والأصابع، فضلاً عن البيانات الصحية، إضافة إلى الموقع الجغرافي ومسار التنقلات، والعديد من المعلومات الشخصية الأخرى التي تولد الحاجة إلى حماية هذه البيانات في ظل الفضاء السيبراني.


وأكّد المدير التنفيذي لجمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات الاردنية ” انتاج” نضال البيطار أهمية وجود تشريع لحماية البيانات الشخصية للمواطنين في ظل تواجد جهات تجارية أو تتبعية أو تنظيمية تعمل على جمع واستخدام وتحليل كل ما يخص المستخدم عن حياته الشخصية وخصوصا في العالم الافتراضي.
وقال”لا بد من وضع تشريع يتضمن تحديد أطر تنظيمية لاستخدام البيانات الشخصية للمستخدمين والمواطنين وحماية هذه البيانات حتى لا تستخدم لغير الأغراض التي يجب أن تستخدم لها في ظل تزايد حجم البيانات الشخصية للناس في مختلف القطاعات الاقتصادية سابقة الذكر، وتزايد الجهات التي تعمل على تتبع وجمع وتحليل هذه البيانات”.
وأكّد الخبير في مضمار التقنية حسام خطّاب أهمية وجود قانون حماية البيانات الشخصية لأنه ” سيعطي المستخدم حق التحكم في بياناته وحمايتها، وبالتالي قوة أكبر للمستخدم ومسؤولية أعلى على الشركات في الامتثال لبنود القوانين خاصة في ظل جهود التحول الرقمي التي تتسارع وتيرتها هذه الأيام”.

وقال خطّاب “مثل هذا التشريع سينظم العلاقة بين الشركات والمستخدمين في كيفية التعامل مع البيانات، ومسؤوليات كل طرف في هذا الجانب، وكذلك تبعات عدم الالتزام بالقانون”.
واضاف “اليوم نشهد اتجاهات تكنولوجية حديثة مثل البيانات المفتوحة والتكنولوجيا السحابية وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، وكلها تعتمد أو تتعامل مع البيانات” لافتا الى ان تنظيم هذا الاستخدام ” بات ضرورة ملحة ” لتكريس مبادئ الحفاظ على خصوصية الأفراد وأمن المعلومات وحوكمتها”.


وبيّن خطّاب أن إقرار هذا القانون ينسجم مع التوجهات في العالم والمنطقة ويعزز الثقة في الاقتصاد الرقمي الأردني، وكذلك ثقة المستخدم في الممارسات التكنولوجية من قبل مختلف الشركات والقطاعات، مشيرا الى ان قوانين حماية البيانات الشخصية قد اقر في بلدان كثيرة، ولعل أهمها الاتحاد الأوروبي وقانونه GDPR.
وفي المنطقة العربية اقر قوانين مشابهة في مصر والإمارات (إمارة دبي) والبحرين، وفي السعودية كان إقرارها من خلال تضمين بنود الخصوصية في القوانين والتعليمات التكنولوجية.
من جانبه، قال المدير التنفيذي للجمعية الاردنية للمصدر المفتوح عيسى المحاسنة “من المؤسف أن أول مسودة للقانون رأت الضوء في العام 2014، وكان الأردن سباقا فعلا في هذا المجال، إلا أن وبعد سبع سنوات ما يزال هذا القانون في أدراج الحكومة”.


وأكد محاسنة أنه مع كل التطورات التكنولوجية التي شاهدناها بما فيها التجاوزات على التعامل مع البيانات الشخصية لمستخدمي الإنترنت، أصبح من الضروري الآن وأكثر من أي وقت مضى إقرار هذا القانون.
وأوضح محاسنة أن النسخة الأخيرة من القانون المقترح جاءت بعد استشارات ومناقشات عديدة أجرتها وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، رافقت هذه التعديلات على المسودة تحسنا ملحوظا في نص القانون وجوهره، إذ إن النسخة الأخيرة بدأت تتوافق إلى حد كبير مع اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبي، أو ما يسمى أيضا بـGDPR، والذي كثيراً ما ينظر لها بأن المعيار الأكثر تقدماً في هذا المجال.


وقال “مشروع القانون يتضمن عدداً من الحقوق لا يتمتع بها المواطن الأردني حالياً” وضرب مثالا بان مسودة القانون تشترط على الجهات التي تعالج البيانات الشخصية للمواطنين بالحصول على موافقة صريحة من قبل الشخص نفسه، ويمكن للشخص أن يسحب الموافقة أو أن يعترض على عمليات المعالجة أو حتى أن يطالب بمحو هذه البيانات كليا، فيما بات يسمى أروبياً بالـ”حق في النسيان.


واضاف محاسنة أن مسودة القانون اوجدت مفاهيم معاصرة حول معالجة البيانات وتضع شروطا إضافية على معالجتها، مثل مفهوم “البيانات الحساسة”، أي تلك البيانات التي تسبب تمييزا في حياة الأشخاص كالأصل العرقي أو السجل الجرمي أو حالته الصحية، وعمليات “التشخيص”، مثل العمليات التي تقيّم الجانب الخاص من حياة الشخص، كميوله أو خصوصياته.


واكد محاسنة اهمية اقرار قانون حماية البيانات الشخصية لسدّ الفراغ القانوني في مجال الخصوصية والذي يسبب حاليا ضررا ملموسا للمواطنين، حيث أصبح من الواضح أن هناك رغبة بل حاجة من المواطنين في حماية بياناتهم الشخصية من سوء استخدامها من قبل الشركات وللأغراض التجارية بشكل خاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى